ياسين حكان *

يعد الطفل فردا يجب إعداده وتأهيله لمواجهة تحديات المستقبل وصعوباته، إذ هو رجل الغد، وتعتبر التربية العاطفية ركنا أساسيا من أركان التربية الناجحة التي يجب تعميق معانيها في حياة الطفل، فلا يكفي شحن دماغه بعدد كبير من المعلومات والمعارف، بل يجب تدريبه على المهارات الحياتية، بإعتبار أن الذكاء العاطفي أحد أهم هذه المهارات، إذن لابد من تطوير المهارات المرتبطة بالذكاء العاطفي، حيث بها ومن خلالها يستطيع أن يحقق التوازن بين حياته الشخصية ومتطلبات الحياة المتعددة.

هذه المقالة، تقدم مجموعة من النصائح والتوجيهات العملية لتنمية الذكاء العاطفي لدى الأطفال، وخصوصا وأن الأطفال في حاجة ماسة إلى تربية عاطفية توقظهم من سباتهم العميق خصوصا في ظل الاستخدام المفرط لوسائل التكنولوجيا الحديث وغير المعقلن لها مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت تؤثر في واقعنا بشكل رهيب، إذ أن تسهيل الولوج إلى الأنترنت فيه مخاطر كثيرة في ظل عدم امتلاك الصغار خاصة المناعة العاطفية التي تقيهم من كل الأخطار والمشاكل -من ابتزاز عاطفي وغيره- التي يتعرض لها الأطفال في العالم الافتراضي، لذا وجب التدخل ومساعدة الآباء على مواكبة أبنائهم في العالم الواقعي والافتراضي، ومنحهم الوسائل العملية للانطلاق في الحياة بشكل يسمح بتحقيق الذات والاندماج في المجتمع، فالتربية العاطفية تتجلى وظيفتها في تكوين وعي جديد لدى الطفل، يمكنه من معرفة مشاعره وكيفية إدارتها وتوجيهها صوب تحقيق أهدافه وبلوغ مرامه.

وأولى هذه الخطوات والتوجيهات العملية، لابد من مساعدة الطفل منذ نعومة أصابعه في اكتشاف والتعرف على مشاعره والإفصاح عنها دون أي يسبب ذلك حرجا للآباء، فمثلا توجه سؤالا بسيطا لطفل ما مثل “من أن تحب أكثر خالتك أم عمتك؟”، ويمنعه الآباء أنه يجب أن يقول الإثنين، والحقيقة أن الطفل يحب أحدهما، ولا يستطيع أن يختار أحدهما في ظل قمع الآباء لأبنائهم، وفي هذا الصدد لابد أن نفرق بين شيئين أساسيين هما الحب والاحترام، أن الاحترام يسبق الحب، فلأنني لا أحبك لا يعني أنني لا أحترمك، لذا وجب تعميق قيمة الاحترام والحب في حياة أبنائنا، بمراقبة تصرفاتنا ومحاولة تشجيعهم على الإفصاح على مشاعرهم وأن يكونوا صادقين مع ذواتهم، وهذه أولى خطوات التربية العاطفية.

والخطوة الثانية، لا تكن صريحا أكثر من اللازم، للصراحة بعدين؛ الصراحة في العلاقات الشخصية والصراحة في سياق تنظيمي مؤسسي، لذا على مستوى العلاقات الشخصية، ليست الصراحة أن تبوح بكل ما تعتقد، وإنما تعتقد كل ما تبوح به، بحيث أن الصراحة هي فضيلة إنسانية لكن عمليا ينصح من قبل الخبراء بالتريث وعدم البوح بكل شيء، عندما نمارس فعل الصراحة حيث أننا في مرات كثيرة نخطئ الشخص المناسب والمكان المناسب والموضوع المناسب عندما نصارحه، وعندها نكون أمام ورطة كبيرة، أو ما يمكن أن نطلق عليه الصراحة العمياء، عندها تتحول الصراحة إلى غباء، حيث أن بين الصراحة والغباء خيط رفيع.

 أما الخطوة الثالثة، فينبغي في علاقتنا مع أطفالنا أن نفرق بين سلوك الطفل وبين الطفل، فمثلا عندما يقوم ابنك أو ابنتك بسلوك معين غير مقبول، فلا ينبغي أن نمقت الابن، بل ينبغي أن نمقت سلوكه، وهذا الأمر يدخل في إطار ما يسمى التواصل غير العنيف لصاحبه مارشال روزنبرغ، وهي طريق عملية لتعزيز التواصل غير العنيف مع أبنائنا، لذا عندما نقبل على مساعدة الطفل على التخلي على الإقلاع على عادة سلبية ما، فلابد أن نعزز عنده الشعور بالأمن العاطفي، فالعاطفة نعمة جميلة إن استحسن استخدامها.

والخطوة الرابعة في سياق حديثنا عن الذكاء العاطفي لدى الأطفال، هي لاعب ابنك منذ الصغار، واجعل من التعلم باللعب أحد فرصة من الفرص لتمرير الرسائل الإيجابية وتعزيز السلوك الإيجابي عبر التشجيع والثناء المستمر للطفل، والتركيز على الجوانب الجميلة في شخصيته، وينبغي أن ندرك أن هناك أشخاص أو أطفالا ميؤوس منهم وسلوكيات يصعب إزالتها، إذن لابد من تقبلهم كما هم، فهم نتاج بيئتهم الاجتماعية ومحيطهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، لذا وجب تقبلهم كما هو، والتقبل في علم النفس، تقنية علاجية لتجاوز الكثير من المشكلات حتى يصل مستوى معين من النضج العاطفي عندها يمكن أن نساعده في تجاوز بعض السلوكيات لأن الإنسان يريد ويفهم في حدود إرادته.

* كاتب وباحث في علم الاجتماع