يعد الذكاء المالي من بين المهارات الأساسية التي وجب تعلمها وإتقانها، نظرا لأهميتها ودورها المحوري في حياة الطفل، باعتبار أن الطفل هو رجل الغد، يتم إعداده وتهيئته للمستقبل باستخدام فعل التربية ووسائل التنشئة الاجتماعية بمختلف أشكالها وتلاوينها، وتعتبر التربية المالية جانب مهم من جوانب التربية الأساسية التي يتلقاها الطفل داخل محيطه الاجتماعي، إذ يجب أن يركز الآباء والأمهات في تربية أبنائهم على مهارات الذكاء المالي حيث أنه وسيلة ناجعة للاندماج في الحياة بشكل يُخوِّل للطفل أن يحقق ذاته ويحدد مصيره بنفسه.

وكما هو معلوم فالمال مورد هام وأساسي لابد منه، حيث أن الكثير من الأهداف والأعمال لا يمكن إنجازها دون توفر المال، لذا فإدراك هذا الأمر والعمل على تدريب الطفل على تقنيات الذكاء المالي هو بداية صحيحة لبناء شخصية الطفل وصقل مهاراته، ومن ثم مساعدته على الاندماج في الحياة بشكل يسمح له بتحقيق أهدافه والوصول إلى طموحاته، لدرجة أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أوصى بضرورة الحفاظ على المال، باعتباره واحداً من الضروريات الخمس، التي من بينها حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسب، وفي الأخير حفظ المال.

لذا سنحاول أن نقدم في هذه المقالة، مجموعة من النصائح العملية التي تفيد الآباء في تدريب وصقل قدرات الطفل في مجال المال، وخير دليل على ذلك، محاولة تدريب الطفل على التحكم في المصروف الجيبي الأسبوعي، بتحميل المسؤولية للطفل وحثه على أهمية المحافظة على المال، وكنتيجة لذلك دفعه إلى الإحساس بقيمته، إذ أن الآباء يجب أن يدركوا أن الطفولة هي أهم مراحل حياة الطفل، إذ بها يتعلم أهم قواعد إدارة الذات، وإدارة المال جزء من إدارة الذات، فالطفل الذي يستطيع أن يدير مصروفه الجيبي بفعالية، هو بالطبع قادر على إدارة المشاريع الكبيرة في المستقبل القريب أو البعيد، والشيء بالشيء يذكر، فقد شاهدت آباء وأمهات من طبقات ميسورة وتعيش وضعية اجتماعية مريحة، ومع ذلك، تُرسِل أبناءها للعمل في العطل الصيفية، ليس بهدف كسب المال بل لاكتساب مهارات وتقنيات تُسعفهم في مواجهة تحديات الحياة، لذا وجب تهييئ الطفل نفسيا واجتماعيا وثقافيا من أجل النجاح في الحياة.

ومن بين النصائح العملية كذلك، أنه يجب دفع الطفل لتعلم مهارات الحساب البسيطة واصطحابه إلى الأسواق وأماكن البيع والشراء ليكتشف بنفسه ويتعرف على عالم المال والأعمال ومن ثم إدراك أهميته، حتى يتسنى له فهم الواقع المعقد، حيث أن المال عصب الاقتصاد أو بالأحرى عصب الحياة، إذ بدونه لا تستقيم حياة المرء، ولابد للآباء والأمهات أن يصطحبوا أبنائهم منذ اللحظات المبكرة من حياتهم، وأن يساعدوهم على التعرف على الثقافة المالية باعتبارها ضرورة من ضرورات العصر، وخصوصا وأننا في عصر اقتصاد المعرفة، إذ لابد أن يتم تعليم الطفل مبادئ الذكاء المالي لتكوين صورة واضحة وواقعية عن المال، بدون عدسات تكبير ولا عدسات تصغير، وبالتالي وجب الإطلاع على كتب رواد الذكاء المالي في العالم أمثال روبرت كيوزاكي ونابليون هيل وغيرهم من منظري هذا التخصص، ومن ثم محاولة البحث عن طرق فعالة لتعليم الطفل تقنيات الذكاء المالي وتبسيطها ليدرك الطفل معناها.

ومن بين الآليات العملية التي يمكن استخدمها في هذا الصدد، هو أنه لابد من إشراك الطفل في تحمل المسؤولية العائلية بتوزيع الأدوار في إطار مقاربة تشاركية، إذ يتم منح الطفل في بداية الأمر مسؤولية بسيطة مثل إعداد جدول التسوق بمعية الأم وتحميله مسؤولية إدارة نشاط معين في البيت أو إعطائه مبلغا معينا من المال وجعله حرا في التصرف فيه، إذ أن الحرية مقرونة بالمسؤولية في هذا الموضع، ويتم ذلك بالتدريج مراعاة لعُمْرِ الطفل، وينبغي كذلك تغيير مجموعة من المعتقدات الشعبية السلبية عن المال مثل “المال وسخ الدنيا” حيث أن هذه المعتقدات السلبية تنمي لدى الطفل شعورا بأن المال لا قيمة له، وعندما يخرج لسوق الشغل يجد نفسه في ورطة كبرى، حيث أن الكثير من المعتقدات التي تلقاها في الأسرة والمدرسة  أثرت عليه سلبا ومكنته من تكوين صورة ذهنية خاطئة عن المال، لذا من أجل بناء وعي جديد عن المال، لابد من نقد وإعادة النظر فيما نقوله لأبنائنا عن المال.

ياسين حكان

كاتب وخبير في علم الاجتماع