لا يخفى على أحد من الناس، أن شهر رمضان هو شهر التغيير والسمو الروحي، من حيث اختلافه عن باقي الشهور، ومن حيث نوعية الأنشطة المقامة فيه، وكيف يتصرف الإنسان مع ذاته، ومجتمعه، إذ يحاول الفرد أو الجماعة المسلمة أن يظهر نوعا من الاستعداد والتهيئة لاستقبال هذا الشهر المبارك؛ هذا الشهر المختلف عن باقي الشهور بروحانيته، وبأجوائه المباركة التي تنقل الإنسان من عالم الطين إلى عالم السمو والارتقاء الروحي، فمعلوم أن التغيير هو الانتقال من وضع إلى وضع آخر، والتغيير نوعان؛ تغيير إيجابي يسمو بالإنسان ويحوله من ذات غير فعالة وغير منتجة، تعشق الكسل والخمول إلى ذات فعالة، تؤمن بالتغيير وتتحدى العقبات وتعمل على تطوير نفسها، أما النوع الثاني من التغيير؛ هو التغيير السلبي، أي الانتقال من وضع سيئ إلى وضع أسوأ منه؛ وما سنتحدث عنه في هذه المقالة هو التغيير الإيجابي، الذي تهواه النفس، وينشرح له الصدر، وتسعد به الروح.
وهناك قضيتان أساسيتان لابد من الوقوف عندهما، عند الحديث عن موضوع التغيير، وعلم التغيير من العلوم التي ينبغي أن نهتم بها ونتقنها في سبيل تغيير أنفسنا وواقعنا إلى ما نسمو ونصبو إليه من أمان وطموحات، فالقضية الأولى هي أن من طبع الإنسان الذي يريد أن يتغير أو يتحول إلى وضع أفضل، أنه يربط نفسه بموسم معين، أو بقضية ما قد تأتي في يوم من الأيام أو لا تأتي، فتجد بعض الناس يقول: “سأتغير عندما أن أتخرج من الجامعة، سأتوب في شهر رمضان…عندما أتزوج بهذه الزوجة…”، بمعنى أننا نربط تغيرنا بحوادث قد تأتي وقد لا تأتي؛ وهذا من القناعات السلبية التي تمنعنا من بدأ عملية التغيير، ومن الخطأ أن نربط تغيرنا بأشياء قد تأتي أو لا تأتي، إلا أننا نحن اليوم في أمر واقع؛ وهو هذا الشهر المبارك، فمن مميزات هذا الشهر، أنك لست فيه وحيدا، فكل الناس يقبلون على تغيرات مختلفة في حياتهم، فمنهم من يريد أن يحسن علاقته مع الله عز وجل، ومنهم من يريد أن ينقص وزنه، ومنهم من يريد أن يتقرب من أسرته، بهذا المعنى يصبح رمضان، شهرا مناسبا لزرع بذور التغيير، وللاستفادة من تقنيات علم التغيير.
أما القضية الثانية، فهي أن الإنسان يتغير بأمرين، أولهما الصدمة، وثانيهما الاقتناع، إذ أن الصدمة تحدث لكثير من الناس، فعندما تتأمل حياة الناس، ستكتشف أن الذي حولهم من حال إلى آخر، صدمة، أيا كانت هذه الصدمة مثل موت قريب، أو مشكلة أسرية، حيث أن الصدمة توقظ الإنسان وتجعله منتبها لما يحدث في حياته وواقعه، كما أنها تحدث لكل الناس، وقد يستفيد منها المرء أو لا يستفيد، أما الاقتناع ليس في مقدور كل الناس، إذ يستوجب في الشخص الفطنة والذكاء، وأن ينتبه للخيارات المتاحة في واقعه، والاقتناع يبدأ عندما يمحص هذا الإنسان الخيارات والقرارات المتعلقة بذاته ومستقبله.
والإنسان في هذه الحياة، يمر من عدة خيارات منذ أن يستيقظ إلى أن يتوفاه الله عز وجل، بحيث هناك خيارات بسيطة متعلقة بأمور صغيرة مثلا ماذا سآكل؟ ماذا سألبس؟، وهناك خيارات متوسطة لها علاقة بالقرارات المتوسطة، التي يتخذها الإنسان صباح مساء، كالخيارات المتعلقة بالعمل أو بشؤون البيت، أما الخيارات العالية فهي القرارات المتعلقة بالأمور المصيرية كقضية الزواج، التخصص الجامعي، المستقبل المهني، وغيرها، حيث أن الله عز وجل، لم يذكر في القرآن الكريم “وعسى أن تكرهوا شيئا، وعسى أن تحبوا شيئا” إلا في موضعين وهما القتال والزواج، فهذان قراران مصيريان، بحيث أن الزواج إما أن تموت ببطء أو تحيا ببطء، لهذا من الضروري، أن يعرف الإنسان كيف يتخذ القرار الصح؟، وما الذي يمنع الناس من اتخاد قرارات صحيحة؟، لذا ليس بالضرورة أن يكون الخيار صحيحا من أول وهلة، فهناك خيارات ننجح فيها أحيانا، وقد نخفق فيها أحيانا كثيرة، والأمر يتطلب الحنكة والذكاء والمرونة في اتخاد القرارات، بحيث قد يكون القرار صائبا في الوهلة، ويتبين غير ذلك لاحقا، لأن الإنسان عندما يتخذ قرارا، فهذا القرار هو مبني على معلومات تم تجميعها، قد تكون صحيحة في لحظة ما وغير ذلك في لحظة أخرى، لذا لابد أن يسبق اتخاذ القرارات الصحيحة محاولات فاشلة، والأمر راجع إلى عدم امتلاك الخبرة الكافية في اتخاذ القرارات، حيث قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: “لا حكيم إلا ذو تجربة”، فالتجربة تصقل الإنسان، وتمنحه مرونة كافية لاتخاذ قرارات صحيحة، إذ أنها تجنب الإنسان الوقوع في الكثير من المشكلات، ومن بين القرارات المهمة التي يجب أن يتخذها الإنسان في هذا الشهر، هو أن يتغير من وضع حسن إلى وضع أحسن، مع مراعاة أن يكون هذا الشهر فرصة لزرع بذور التغيير والاستمرار في تحقيق النجاح الشخصي والمهني.
ياسين حكان: كاتب مغربي، أستاذ علم الاجتماع.