المنطلقات :

إن كانت فكرة وجدان أي أمة هو ضميرها ومشاعرها وطريقة تكوينها الفكري والعاطفي، فإن واقعها الخارجي رهين بارتقاء تلك الصور والمشاعر والعناية بها، ومركز الوجدان الحضاري هو امتداد لشعار وزارة الثقافة (نحو مجتمع واعٍ بوجدان أصيل و جسم سليم)، فالمرتكزات الكبرى لأي أمة هي وعيها وأفكارها وقيمها ومشاعرها وصحتها وقوتها، ولكن ترجمة هذا الشعار في واقع تنفيذي هو ابن مسار ليس باليسير وإن كان ممكناً، وهذا المسار له أولويات، أولها الانتقال من سلطة الانطباع لسلطة المعرفة العلمية، فمجتمعاتنا العربية في سعيها الحثيث للنهوض من أوضاعها المعاصرة تأرجحت في تصوراتها بين داعٍ إلى التحديث السياسي وبين مركّز على التحديث التعليمي وبين مركّز على التحديث الاقتصادي، وبين مركّز على التحديث الديني، وكلها مداخل مهمة للرقي بالمجتمعات، ولكن يبقى السؤال الأخطر. إن كل أشكال التحديث ترتكز على إنسان المجتمع الذي يتخذ القرارات وينفذها، وإنسان المجتمع سبقت إليه ثقافة وتصورات عميقة شكلت عقله ووجدانه، وأي استيراد للأشكال الخارجية للحداثة لا فرصة له في النجاح ما لم تسنده منظومة معرفية تسمح له بالإشتغال، ففي العمق توجد النظرة الشاملة لإنسان المجتمع لذاته ومحيطه، فذلك هو  الأساس العميق الذي به يستقبل ويرسل، وبدون اختراقه تعجز كل منتجات العصر عن إحداث أي تحول يذكر لإعادة إنتاج المجتمع وتطويره.

 والأسئلة الكبرى التي تطرح نفسها على أي مجتمع عندما يفحص منظوره الشامل هي:

  • ما علاقته بالحياة الدنيا: أهي علاقة فعل الإنسان وفاعليته، أم علاقة انسحاب، أم هي حيرة وتردد؟
  • ما علاقته بالكون والطبيعة: هل هو مسؤول عن فتح أسرار الكون، أم هو مجرد وجود ليس للمجتمع علاقة بتسخيره؟
  • ما علاقته بالآخرة: هل هي سبب لإتقان الفعل في الحياة من الرحمة والإحسان وغيره، أم لا رابط بين الاثنين يجعل الأولى سبباُ للإحسان الأقصى في الدنيا .
  • ما علاقتها بالزمن: أهي تنظر له باعتباره ثروة؟ أم تعتبره عبئأً، وهل تتجه بنظرها للمستقبل أم تتجه في نظرها للماضي؟
  • كيف تنظر للطبيعة الإنسانية: هل يتم ذلك بالحوار والنقاش أم يتم بالقسر والقهر؟
  • كيف تنظر للذات : فالذات لها مساحة تقع بين احترام الذات الذي يقود لاحترام الآخر، أو لتقديس الذات واحتقار الآخر.
  • كيف تنظر المجتمعات للعلاقة بالبعيد المغاير: وهي نظرة تتراوح بين التعاون البناء وبين العداء والانتقاص.
  • كيف تنظر المجتمعات للعلم: علمها مفتوح على التطور والنظر في المنهج والمنتج وتتغلب عليها فكرة الدليل والبرهان والاختبار، أم علومها ساكنة تدور في فلك ما هو موجود لا تكاد تغادره دون انفتاح على جديد؟

تلك أبعاد عميقة غائرة في النفس الإنسانية، نتنفسها منذ الطفولة الأولى عبر مختلف وسائل التنشئة، وتنتشر في المجتمع دون أن يستشعرها، ولكن آثارها تظهر في كل جوانب الحياة في السياسة والإقتصاد والقانون والعلم والصناعة والزراعة والتجارة، وفي العلاقة بين أفراد المجتمع وبعضهم البعض، وبين ذلك المجتمع والمجتمعات الأخرى تعاوناً أو احتراباً، وهي ما يحدد رتبة المجتمع بين المجتمعات الإنسانية وقدراته التنافسية، ومن هنا برزت أهمية انشاء (مركز الوجدان الحضاري) كمحاولة لسبر تلك الأرضية التي يقف عليها المجتمع، ومدى صلاحيتها لايجاد واستدامة التنمية والتطور في المجتمعات العربية .

المهمة :

إن مهمتنا التي نأمل القيام بها هي وضع لبنات للدراسات الوصفية القيمية، ابتداءً في المجتمع المحيط على أمل  نشوء منهجية فحص واستقصاء يمكن تعميمها ونابعة من بيئتنا وظروفنا، ولمجتمعات شبيهة بنا، وهذه المساحة من علم الإجتماع تشكل ظهيراً أساسياً وعموداً فقرياً لكل مجالات التطور التي تستمد جذورها من إنسان المجتمع، فخط الدراسات القيمية أساس في المركز، ويسانده خطوط اشتغال بالمفاهيم والتصورات التي تسكن البيئة، فتحرير المفاهيم ليس مهمة يسيرة، واختلال مفهوم واحد قد يقود لكوارث، فكيف لو اختلفت مفاهيم كبرى ومحورية؟ ولا يخفى على متتبع آثار اختلالات مفاهيم مثل الجهاد والحاكمية في القديم والتنمية والتطور في الحديث والقائمة طويلة  …ووجدان الأمة مسكون بالصور التاريخية التي تحتاج الى استيضاح وبيان ينير للأمة طريقها ويزيدها وعياً بعبر التاريخ واستنتاجاته..كل تلك المهام تحتاج الى توكل على الله أولاً وحسن التخطيط والعمل.

منطق الفعل:

إن المهام الكبيرة لا تتم بخطوة واحدة، ولكنها مجموعة من الخطوات الصغيرة  المتتالية قد تبلغ بالحلم بعضاً من المسافة، ولكن قوة أي فعل في وجود من يواصل الطريق إلى بلوغ الآمال وفريق العمل في المركز مهمته أن يضع اللبنات الأولى لهذا المشروع الكبير، الذي إن قدر له الإستمرار سيكون كما نأمل له أن يكون، لبنة مهمة بين كل الجهود الإجتماعية لوضع لبنات التقدم في مجتمعاتنا العربية والاسلامية. خطوط

الإشتغال:

  • تطوير البحوث الميدانية القيمية في المجتمع.
  • تقديم المقترحات بناءً على هذه البحوث لمراكز صنع القرار والمهتمين.
  • البحوث المفاهيمية والتصورية وتحريرها ووضعها بين يدي الجمهور.
  • المساهمة في انتاج المواد الإعلامية المعينة على استيعاب منظومات القيم.
  • التعاون مع كل المعنيين بالبحوث والتنشئة القيمية ومد الجسور لتبادل الرأي.

إن مركز الوجدان الحضاري ليس منشئة بل رؤية وتصور نأمل أن يسد لبنة في بناء المجتمع، ويساهم مع كل القوى الإجتماعية في تشييد صرح العلم والمعرفة والإستقامة القيمية.