دعوى الكتاب تقوم على أنه حين افتقدنا النظرة لنسق قيم الدين، واختلت مفاهيمه الكبرى، واختلطت دوائر فعل النص؛ فقد الدين فاعليته، وأصبح جزء من المشكلة بدلا من أن يكون جزء من الحل، حيث أن الاستدعاء الفردي للنصوص من غير النظام الكلي الذي تشتغل عليه النصوص هو سبب أساسي في إشاعة الاضطراب في كل أوجه الحياة داخل البيئة الإسلامية إلى حد التناقض المفضي للهلاك، فما كان صالحا من بساطة الرؤية في البدايات، لم يعد مجديا في عصر التعقيد والبيئات المفتوحة.

من خلال هذا الكتاب، نطمح إلى أن نطرح رؤية للدين من زاوية النسق القيمي العميق، بحيث تتساند القيم في صناعة التصور دون تشتت تضيع معه الصورة الكلية. وما أتمناه في بحثي هذا؛ أن يرى القارئ معي قيمة النسق، وأن يجده حريا بالتبني، بديلا عن النظرة المجزأة للدين؛ لتختفي تلك الاستدعاءات المجتزَأة، والتي وصفها القرآن بـ “أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض”، و”الذين جعلوا القرآن عضين”، فالحالة التجزيئية أشبه بشخص يشتري قطع السيارة من أصغر جزء إلى أكبر جزء بطريقة منفردة، ويعتقد أن لديه سيارة. إن الفرق شاسع بين السيارة في كلها المركب، وبين أجزائها عندما تكون منفصلة، فهي لا تسمى سيارة إلا إذا شُكلت وحدة واحدة، أما أجزاؤها فهي لا تعدو أن تكون أجزاء وقطع. إن استبدال المنظور الشائع والمجزأ بمنظور كلي متماسك ليس بالأمر اليسير، لكنه المستقبل، وبدونه سيكون فشل محقق.

في هذا الكتاب سنبحث عن النسق الأكبر الجامع فقط دون استعراض للأنساق الصغرى التي تنتظم فيه مثل: نسق الجبر والاختيار، النسق الذي تستدعى فيه سنن الله في الكون والأنفس، النسق الذي تستدعى به التزكية وقضية الحرب، نسق قضية المرأة.

لقد تضمن بحثنا هذا المقدمة: وتتحدث عن السياقات العامة لمحتوى الكتاب، ثم أتبعناه بتمهيد عام: حول ماهية القيم، النسق وأهميته، وأثر غيابه في الدين الواقع. ثم بفصل أول: يتحدث عن منزلة الإنسان في الوجود. فصل ثانٍ: تناولنا فيه الأمانة التي حملها الإنسان. ليتبعه فصل ثالث: تطرقنا فيه إلى بيان الأبعاد الثلاثة الأهم في مشروع الدين. ثم فصل رابع: يتمثل في أبعاد العمل الصالح. ثم فصل خامس: ذكرنا فيه نسق العيش الإنساني المشترك.

وأخيرا فصل سادس: كان حول تداخل الدوائر الثلاث، وهي: الاعتقاد، والمقررات العامة والحقوق، ثم خاتمة.