ياسين حكان *

تعد إدارة الذات من بين المراحل المهمة في طريق الرقي بالذات الإنسانية ،والعمل على تغييرها للأفضل، حيث أن إدارتها تنبني على مجموعة من الخطوات والاستراتيجيات العملية المساعدة على تنمية وتحفيز الذات الإنسانية، ودفع الشخص إلى المضي قدما في الحياة بطريقة أيسر ومرونة أكبر عن طريق تحقيق الأهداف المرسومة وتنفيذ الخطط والاستراتيجيات المؤهلة لإدارة الذات بشكل فعال.

وتتجلى أهمية إدارة الذات في منحها الشخص القدرة على إعمال الرقابة الذاتية، وتقوية الحوافز الداخلية لديه، حيث أن هذه الاستراتيجيات تُساعِدُ على التغلب على مشكلة التسويف، والمماطلة، وتأجيل الأعمال، وتساعد أيضا على التخلص من كل المشاعر السلبية كالقلق والتوتر …  وتعزز الشعور بتقدير الذات، ومن ثم توجيه الذات والتحكم فيها بغية تحقيق الأهداف المرجوة.

وأولى خطوات إدارة الذات، أن تعرف ذاتك، بمعنى أن تدرك أن لك نقاط قوة ونقاط ضعف، بحيث يجب استثمار الأولى وتعزيزها عبر التدريب المستمر، أما الثانية فيجب مراقبتها وضبطها؛ إضافة إلى أن معرفة الذات هي رحلة طويلة وشاقة ومتعبة؛ إذ هي أساسا رحلة العمل الجاد والاشتغال المستمر على اكتشاف والتعرف على استعداداتك باعتبارها بنيات أو بالأحرى صفات ذاتية تحدد قبليات الأفراد للقيام بأفعال أو ردود أفعال في وضعيات معينة، والاستعدادات في علم النفس؛ هي القدرة على التهييء النفسي والذهني للقيام بسلوكيات معينة ومن ثم استجابات ما، وأصدق ما في الإنسان استعداداته الذاتية بحيث تشمل عواطفه ومشاعره التي يجب التحكم فيها، وشغفه الشخصي وحوافزه الذاتية الداخلية منها والخارجية، ولمعرفة ذاتك، عليك بالتحكم في مشاعرك وانفعالاتك ومحاولة ضبطها قصد التصرف بحنكة ولباقة في المواقف الصعبة وأن يدرب المرء نفسه على السيطرة على مشاعره السلبية.

وثاني خطوات إدارة الذات، أن تدرك ماذا تريد؛ بمعنى أن تمتلك إرادة صلبة كالفولاذ، لا تستسلم رغم تحديات الحياة، والإرادة مستويات، أولها خاطرة وثانيها فكرة عابرة وثالثها رغبة مشتعلة ورابعها إرادة جامحة، لذا وجب عليك تحويل أهدافك من مستوى الخواطر والأماني إلى مستوى الإرادة الجامحة حيث الفعل سيد الموقف، وأن الوضوح قوة بحيث يجب أن تكون الأهداف واضحة وموضوعة بدقة متناهية تناسب خيارات واهتمامات المرء وطموحاته، فالذكي من استطاع أن يضع أهدافا تناسبه، تحفزه وتجعله يعمل بدأب، لا أهداف تُحبِطه بل أن تكون هذه الأهداف نابعة من قراراته وخياراته الداخلية ،وأن تكون جزءا لا يتجزأ منه كأنها قطعة لحم منه، وأصحاب الإرادة الحرة هم الذين يعملون بحزم وبتفاؤل ودون أدنى شك في أن أهدافهم سترى النور على أرض الواقع ولو بعد حين.

وثالث خطوات إدارة الذات، أن تتعلم الكيفية التي من خلالها تحقق ما ترغب فيه وما تصبو إليه من أماني وأحلام، والعاقل من أتعب نفسه في البحث عن الطرق الأنجع لتنفيد خططه ومشاعره، كما قال الفيلسوف الفرنسي الكبير جون بول سارتر أن تتعلم كيف تكون مشروعا، وأن تكون صاحب مشروع ناجح مشروط بأن تكون حرا، والحرية مرتبطة بالمسؤولية، بمعنى أنك حر في اختيار أعمالك ومسوؤل عنها، وبتعبير أكثر دقة ووضوحا، أنك مسؤول عن أفكارك وأفعالك ونتائجها، أي أنك إذا أردت أن تكون مشروعا ناجحا، فلابد أن تمتلك حرية التصرف؛ والتصرف هنا القصد منه، هو تصور ذهني في الأول، وتصرف أو بالأحرى عمل إجرائي في الثاني، أي أن تمتلك صورا ذهنية عن مشروعك وتشرع في إنجازه على أرض الواقع، والأشخاص الناجحون هم الذين يستطيعون إحداث التوازن بين ما يتخيلونه وما يريدون تحقيقه على أرض الواقع، إلى درجة أن عالم الفيزياء الشهير ألبرت إنشتاين قال: “إن الخيال أهم من المعرفة”، بمعنى أنه ينبغي أن ينصب اهتمام الشخص في البداية على امتلاك أفضل التصورات عن كيفية تحقيق أهدافه وأحلامه، بعدها يشرع مباشرة في القيام بخطواته الإجرائية.

ورابع خطوات إدارة الذات، أن تعرف العالم الذي تحقق فيه أهدافك وطموحاتك، وتكتشف موقعك فيه، هل أنت في وضع قوة أم وضعية ضعف وهوان؟ بحيث يجب أن تكتشف أن العالم معقد ويصعب إدراكه باعتباره لعبة اجتماعية أكثر تعقيدا، يتداخل فيها السياسي بالاقتصادي بالثقافي وبالاجتماعي، وإدراك العالم في شموليته تَحَدِّ صعب التحقيق في ظل عوالم مختلفة ومتعددة الأبعاد، كما أن معرفة العالم تتم من خلال أربع طرق متكاملة فيما بينها، أول الطرق هي أن تعرف العالم عن طريق مصادرك الخاصة وتكتشف لعبه وأوهامه، وثانيها أن تحترف الملاحظة وأن تكون يقظ الذهن، منتبها للأحداث التي تقع، وتقوم بتحليلها والخروج بتفسيرات فعالة، أما الطريقة الثالثة فهي أن تبحر في قراءة كتب التاريخ والرواية وعلم الاجتماع وعلم النفس ومشاهدة الأفلام، لأن هذه الحقول المعرفية لها قدرة رهيبة على مساعدتك في اكتشاف أسرار لعب العالم وكيفية استخدامها لصالحك، والطريقة الرابعة هي أن تباشر الفعل وتختار الأفعال المناسبة وأن تكون كالمحارب في ساحة القتال وتحرر من كل أوهامك وعاداتك السلبية.

*كاتب وخبير في علم الاجتماع.