إدارة العواطف

ياسين حكان*

 

يعتبر الذكاء العاطفي واحدا من أهم المهارات الأساسية التي يجب إتقانها وتعلمها، لما يحظى به هذا الأخير من أهمية كبيرة في الحياة الشخصية والعملية، ولاسيما في عصرنا الحالي، الذي يُوصَف بأنه “عصر القَلق بامتياز” نظرا لعدة أسباب متباينة ومختلفة، لدرجة أن عدة مشاكل وأزمات نفسية، سببها الأول والأخير بلا شك هو عدم تمكن الناس من مهارات الذكاء العاطفي.

لذا، سنحاول في هذه المقالة، أن نسلط الضوء على الذكاء العاطفي، مفهومه، وأهميته، ولماذا نحن بحاجة إلى تعلم تقنياته واستراتيجيته؟ وكيف يمكن تنمية الذكاء العاطفي لدينا؟

في البداية سنقدم تعريفا بسيطا للذكاء العاطفي حتى تتضح الصورة أكثر، باعتبار أن الذكاء العاطفي هو قدرة وجاهزية الفرد على معرفة مشاعره وإدراكها، ومشاعر الآخرين، من أجل التحكم في انفعالاته العاطفية، ومن ثم توجيه مشاعر الآخرين، أو على الأقل فهمها من أجل التصرف بحنكة ولباقة في التعامل مع انفعالات الآخرين وردود أفعالهم، وهذا ليس الأمر بالسهل، وإنما يحتاج إلى صبر وحكمة وبطبيعة الحال التدريب المستمر، وتتجلى أهمية الذكاء العاطفي في أنه يساعدنا على معرفة مشاعرنا ومشاعر الآخرين، أو بتعبير آخر، معرفة كيف نفكر وكيف يفكر الآخرون، وهذا أمر أساسي وجوهري خصوصا من أجل بناء علاقات إيجابية وناجحة.

كما أن إدارة العواطف مسألة أساسية، باعتبار أن التحكم في المشاعر والعواطف هو بداية صحيحة في طريق تحقيق التوازن النفسي، ومن ثم إحداث توازن بين الأفكار والأحاسيس حتى نكون قادرين على التحكم في مشاعرنا وأفكارنا، وإتقاننا لهذه المهارة، يجعلنا أن نشعر بقيمة الحياة أو ما يسمى العيش بجودة عالية بعيدا عن المُنغصات والمعيقات التي تسرق منا جمالية عيش اللحظة، وكنتيجة لذلك، يصبح الناس قادرين على مواجهة الضغوط النفسية التي تعترض طريقهم، ومعالجة أنفسهم بأنفسهم في اللحظات الحرجة، أي اللحظات التي نفقد فيها التوازن النفسي، أو السيطرة على مشاعرنا كالغضب والقلق والتذمر والعدمية… كلها مشاعر سلبية، وإذا تَمكنَت من المرء، جعلته هشا ضعيفا مرهقا غير قادرا على فعل أي شيء، وبلا شك يكون الإنسان في هذه الحالة، أسيرًا لهذه المشاعر، وهي تَفتِكُ بالصغير والكبير وتُمَزقه إربًا إربًا.

نحن في الحقيقة، في حاجة إلى تعلم مهارات الذكاء العاطفي، لسببين هو أنه يساعدنا في معرفة وإدراك مشاعرنا في كل لحظة، والسبب الثاني لتجاوز الكثير من المشاكل التي تعترض طريقنا خصوصا في علاقتنا مع الآخرين، ولفهم مشاعرهم و خصوصيتهم، ومن ثم إصدار استجابة مناسبة لردود فعل الآخرين، وهذا بلا شك سيساعدنا في فهم نفسيتنا ونفسية الآخرين، ومن ثم استثمار علاقتنا في سبيل تحقيق النجاح والتميز على المستوى الشخصي والمهني، فالأذكياء عاطفيا يُحسِنون اختيار علاقاتهم بشكل يتماشى مع اهتماماتهم وأهدافهم ومصالحهم، وبهذه الطريقة يصبح الذكاء العاطفي وسيلة ناجعة لتجاوز الكثير من المشاكل والمعيقات في حياتنا الشخصية والعملية.

ثمة خطوات أساسية يمكن اتباعها ومحاولة تطبيقها لتنمية ذكاءنا العاطفي، أول شيء يمكن القيام به لتطوير ذكاءنا العاطفي هو القيام باختبار الذكاء العاطفي، وهذا متاح على النت، يمكن البحث عنه، من أجل معرفة مستوانا في الذكاء العاطفي، ومن ثم تطويره.

ثانيا، حاول ألا تكن استجابتك للأفعال التي تصدر من الآخرين فورية لكي لا تندم فيما بعد على قرارات اتخذتها وكلمات أفصحت عنها في لحظات الغضب مثلا.

ثالثا؛ حاول في كل مرة وحين، أن تحصل على مسلك أو صيغة مناسبة للقيام بعملية التفريغ العاطفي مثل ممارسة الرياضات المختلفة الأشكال والأسماء، الفردية منها والجماعية، بعدها راجع كل مرة انفعالاتك وعواطفك ولا تسمح لها بالتحكم فيك، فلك كل القدرة للتحكم فيها، أما عندما يعتريك شعور معين، حاول أن توجه لنفسك أسئلة من قبيل: ما هو هذا الشعور؟ ولماذا أشعر به؟ وامنحه درجة معينة من 0 إلى 10، ثم فكر جيدا في هذا الشعور وابحث عن الأفكار والارتباطات التي تبدو متصلة به.

ومن بين الأساليب العملية لتنمية الذكاء العاطفي كذلك، أن نشجع مثلا الصغار والنشء على الإفصاح عن مشاعرهم وأن يكونوا صادقين في التعبير عنها، أضف إلى ذلك يجب أن تنتظر على الأقل عشر ثواني للقيام باستجابة معينة عند تعرضك لموقف معين أو لرد فعل ما من قريب أو غريب، وكن على يقين أن التسرع في إصدار الأحكام عن الآخرين دون معرفتهم بما يكفي هو خير دليل على ضعفك في إدارة عواطفك بشكل سليم، لهذا في كل موقف، حاول أن تربطه بمواقف سابقة، بمعنى آخر، حاول أن تنظر إلى المواقف نظرة شمولية أو كما يقال نظرة جشطالتية، نسبة إلى المدرسة الجشطالتية في علم النفس، التي تنصح بعدم الحكم على الشيء قبل استيعاب كل أجزائه، وأن الصورة الكلية عن الموقف تتكون عند استيعاب كل الصور المُكَونَة عن أجزائه، ومعلوم أن المواقف مترابطة فيما بينها.

*كاتب وباحث في علم الاجتماع