تعد استراتيجيات التغيير الشخصي من بين التقنيات الحديثة التي ينبغي تعلمها وإتقانها، نظرا لأهميتها، ولما لها من آثار إيجابية على الفرد والمجتمع، فالتغيير مرتبط بكل المجالات، والتغيير الذي نقصده في هذا المنوال، هو التغيير الشخصي باعتباره عملية الانتقال من حالة راهنة إلى حالة أكثر تقدما وتطورا، والتغيير الإيجابي هو الانتقال من حال حسن إلى حال أحسن، وهو نوعان:

الأول: تغيير مُخَطّط له؛ أي التغيير الذي يعتمد على وضع خطة مسبقة، ويجب التقيد بالخطوات المتبعة في هذا السياق والإجراءات المرتبطة به؛

الثاني: تغيير بالصدفة، ويسمى كذلك التغيير الفجائي، بمعنى أنه تغيير غير قصدي وغير مشروط بأية خطوات، وإنما هو نتيجة لظروف معينة.

والتغيير سنة من سنن الله عز وجل في الكون، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: “فالعبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق، وإما إلى أسفل، إما إلى أمام، وإما إلى وراء، وليس في الطريق واقف البتة” (مدارج السالكين، ج1 ص267)، لذا من الضروري معرفة بعض المهارات والتقنيات المتعلقة بالتغيير الشخصي، لما لها من أهمية وقيمة، خصوصا وأن الحياة في عصر العولمة واقتصاد المعرفة، يحتم على الأفراد امتلاك أدوات وأساليب تضمن لهم تحقيق التغيير المطلوب، بدءا بتغيير القيم السلبية وغير المنتجة، واكتساب قيم جديدة ونافعة ومطلوبة لمواكبة تحدياث العصر، مرورا بتغيير أحكامنا الخاطئة عن أنفسنا وعن الآخرين، وعن العالم من حولنا، ثم استبدال كل العادات والسلوكيات التي لا تخدم أهدافنا وطموحاتنا بعادات وسلوكيات إيجابية، جديدة ومثمرة.

أولى خطوات التغيير الناجعة، الاستعانة بالله والثقة فيه، والله خير مُعِين للمرء على بلوغ أهدافه وتحقيق طموحاته، لأن الاستعانة بالله يعد قيمة عليا، وضابطا للقيم في آن، والثقة في الله هي مصدر كل ثقة في النفس ورضا عنها، ولا نجاح ولا تغيير إيجابي دون توفيق الله عز وجل، مصداقا لقوله تعالى: “وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب”. (سورة هود، الآية: 87).

ومن السنن الإسلامية صلاة الاستخارة، والاستخارة مع الله عز وجل، هذه الصلاة يتخللها دعاء الله بالتوفيق والسداد في الأمر الذي يختاره الله لعبده، وعلى المسلم دوما اللجوء إلى الله وطلب عونه على مواجهة الصعاب التي تعترض طريقه مع التقرب إليه بالنوافل، وتحسين النوايا، والإحسان إلى الخلق.

وبداية التغيير أن يبدأ المرء بتغيير نفسه، مصداقا لقول الله تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” (سورة الرعد الآية: 11)، وهذه دعوة ربانية بـأن التغيير يبدأ من ذات الإنسان، وذلك من خلال القيام بعملية العَدّ، أي عد وإحصاء كل العادات السلبية، وكل المعيقات التي تبعد المرء عن أهدافه وأحلامه، وأن يقوم باستبدالها بعادات إيجابية، ويراجع كل مرة ما يقوم به، ويسأل نفسه هذا السؤال، هل هذا الأمر يُوصلني إلى ما أريد أم لا؟، عندها سيشق طريقه بثبات وسيجد نفسه حقق ما يريد.

ومن المعلوم أنه لكل تغيير مقاومة، ونجاح التغيير، يتطلب رصد كل معيقاته، في الذات أو خارجها، ووضع خطة مُحكمة لتدريب الذات تتناسب مع وضع المرء، وتُلائم الوضع الجديد الذي يطمح لبلوغه. والتدريب المستمر هو الذي يحدث الفرق، مع محاولة الانضباط للخطة التي وضعها، فعلماء النفس يؤكدون أن اكتساب أي سلوك جديد يحتاج إلى 21 يوما من التكرار المجدول.

هناك مسألة جوهرية في عملية التغيير، فلابد من تغيير نظرتنا للماضي، من نظرة سلبية عمياء إلى نظرة إيجابية واقعية، فالماضي إذن خزان للتجارب والخبرات، ينبغي استثمارها والاستفادة منها، بالعودة دائما إلى لحظات الإنجاز لاستمداد القوة والطاقة لمواصلة الطريق.

كل تغيير ونجاح له ثمن، وللفشل ثمن أيضا، فعلى المرء أن يضع نصب عينيه ذلك، وهو أمام خيارين، أن يتحمل كلفة التغيير والنجاح ويؤديها بفرح وابتهاج، أو أن يؤدي مُكْرَهًا ثمن الفشل، خاصة وأن كلفة النجاح مُعجلة وثمن الفشل غالبا ما يكون مُؤجلا، والعاقل من أتعب نفسه اليوم ليرتاح غدا.

ياسين حكان

كاتب وباحث في علم الاجتماع