لا شك أن الأخطار التي تهدد البشرية تتنوع بحسب حجم الخطر وقوته ، وقدرته على إصابة الإنسان وإلحاق الضرر به ، وكذلك سرعة وحجم انتشاره وتأثيره على حياة البشر والأحياء ، تأتي الأوبئة في مقدمة تلك الأخطار ، لذا يزداد حجم الجهد الذي تبذله الدول وأجهزتها في مواجهته ، وتزداد درجة الانتباه العالمي لمواجهة تلك المخاطر عبر برامج المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية وخططها لإدارة الأزمات والكوارث ، وتعتبر جائحة فيروس كورونا كوفيد ١٩) هي محل الاختبار الكبير ، والتهديد الذي أصاب كل العالم بلا استثناء ، والذي لا يزال حتى الآن يمثل تهديدا مستمرا لدول كثيرة ، لا تزال تلك الدول التي صُنفت أكثر خطورة رهينة الجهود العلمية والصحية حول العالم للحصول على أمل لصد هذه الجائحة ، ولا يزال الكل ينتظر ويبذل قصارى الجهد في مواجهة التفشي بتشديد الإجراءات ونشر الوعي باحتياطات السلامة وتعليمات المواجهة ، وتعد تجربة الدول التي نجحت في إدارة هذه الجائحة الكبرى وتعاملت مع الأزمة بشكل ناجح تجربة ملهمة ومحل إشادة المجتمع الدولي والمنظمات العالمية ، تعتبر قطر من الدول التي حصلت على إشادات عالمية من منظمات ومؤسسات دولية منها ما جاء على لسان المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية :
تمتلك قطر نظاماً صحياً متقدماً وراسخاً للغاية ويقدم خدمات رعاية صحية عالية الجودة. وقد راعت قطر سلامة المرضى من خلال الاستعانة بكوادر عالية التدريب وتوفر المؤسسات الصحية ذات التجهيزات اللازمة للتعامل مع مختلف مستويات هذا المرض بين المصابين بإصابات متوسطة أو شديدة أو بين من يحتاجون لأماكن العزل وتقديم العلاج المناسب لهم، وأيضاً من حيث التعامل مع نشر الثقافة السليمة بين أفراد المجتمع ، تمكنت قطر خلال الفترة الماضية من التعامل مع هذه الجائحة باقتدار
كما أشاد ممثلو الأمم المتحدة بجهود دولة قطر في مكافحة هذا الوباء على المستوى الوطني ولكل من يسكن على أرض دولة قطر دون تمييز عن طريق تقديم الفحوصات والخدمات الطبية المجانية عالية الجودة ،كما أثنوا على الجهود الدولية لدولة قطر .

ولنا أن نسأل هل يمكننا استنساخ هذا النجاح ؟
هل يمكننا صناعة استجابة مناسبة لحجم التحديات التي تهدد البيئة ؟
لعل ما دفعنا إلى هذا التساؤل ؛ هو أملنا في أن يمثل الاقتدار التي وصفت به قطر من المؤسسات الدولية في مواجهة هذه الجائحة هو نجاح قابل للتكرار ، وتجربة مُؤَسِّسَة لصناعة استجابة منظمة تقلل من خطر التهديدات التي تواجه البيئة .
لعل أبرز ملامح الاستجابة التي صنعتها تلك التجربة الناجحة ، هي في وجود منظومة من الإجراءات التي اعتمدت الإنسان كمحور ومحرك لهذا النجاح ، و بوعيه بحجم الخطورة وضرورة الالتزام ، والثقة في إرشادات المؤسسات المعنية وبيانات لجنة الأزمة التي طبقت الشفافية طيلة الأزمة ولا تزال  ، وممارسة أعلى درجات الانضباط في التصريح ، والجدية وإذاعة الأرقام المحدثة عبر ما تُصدره من بيانات عبر الساعة ، الأمر الذي نجح في صناعة ثقة حقيقية عززت وعي الأفراد بقدرة وشفافية الدولة ممثلة في لجنة الأزمة .
إن استنساخ النجاح لا نعنى به سوى استخلاص الدروس عبر دراسة الاستراتيجية التي اعتمدت عليها أجهزة الدولة ووحداتها ودليل الإجراءات المتبعة والطرق العلمية للتعاطي مع كافة المستجدات أولًا بأول، قد تعطى التجربة فرصة للباحثين والمهتمين تمكنهم من دراسة تلك الحالة وصناعة دليل في إدارة الأزمات يمكن الاستفادة منه في كافة الأزمات التي قد تطرأ في المجال البيئي ، دراسة يمكن تطوير أدلتها لتكون مرشدا في الاستجابة لتحديات القضايا البيئية ومواجهة حالاته الحرجة، فمرورًا بسرعة الاستجابة ومعرفة حجم التحدي وصناعة وعي واهتمام أكثر بحجم المخاطر بتلك القضايا البيئية، وانتهاء بصناعة وعي بيئي لأفراد المجتمع يرفع درجة الحساسية بتلك القضايا اعتمادًا على إجراءات تمس ما يتعلق بالسلوك البيئي ، وضبطها بما يعزز بيئة مستدامة وموارد طبيعية مصونة .
إن التركيز في قضية واحدة من البيئة كقضية المياه مثلا وخطورة إهدارها وضرورة استدامتها ، وربطها بالحياة اليومية والسلوكيات الحيوية للأفراد، مع استخدام نماذج النجاح المشار إليه في أزمتنا قادر على صناعة اختراق في وعي أفراد المجتمع وفي التزامهم بالإجراءات والتوصيات التي تصدر بهذا الشأن ما يعزز فرص النجاح في قضايا البيئة الأخرى .

كل ذلك رهن الإجابة على سؤال :
هل يمكن أن تنشأ لجنة أزمة تتمتع بنفس الحيوية والأدوات لصناعة الاستجابة لقضايا البيئة ؟ لنشر الوعي بين أفراد المجتمع لقضايا البيئة والتهديدات التي تكتنف مستقبلها ؟ هل يمكن استنساخ برامج وإجراءات وإطلاق مبادرات لجعل قضايا البيئة محل الاهتمام والعناية من أفراد المجتمع؟
هل يمكن أن ننجح باقتدار استنساخ النجاح؟